نعي الأستاذ أحمد محمد الحسن بقلم مولانا محمد حسن الرضي
الأحد أبريل 14, 2024 3:58 am
نضر الله وجهك وشكر لك صالح سعيك أخي أحمد
بقلم محمد الحسن الرضي
الحمد لله نستمد منه المنحة كما نستدفع به المحنة، ونسأله العصمة كما نستوهب منه الرحمة، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسر لنا العمل كما علمتنا، وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وأنهج لنا سبيلا يهدي إليك، وافتح بيننا وبينك بابا نفد منه عليك، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وهديا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، والسلام على أهل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
الكتابة عن الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن (رحمه الله وتقبله في عليين) لمن الأمور الصعبة على الإنسان، والعصية على القلم، لأن العظماء تتقازم الحروف من أن تجد الكلمات والعبارات التي تفيهم بعض حقهم، ناهيك عن حقهم كله، ولكني ما وجدت سبيلاً لاعتذر للابن العزيز محمد وهو يطلب مني الكتابة عن أبيه، لتكون هذه المقالة بعض صفحات من كتاب يعتزم طباعته ونشره للتوثيق لشخصية نذرت عمرها للقلم، وسطرت بأحرف من نور عبر حياة ذاخرة وحافلة بالمكارم والخلق النبيل ما يمكن أن يكون زادا للأجيال المتعاقبة في مجال الصحافة، التي فتحت الباب في الآونة الأخيرة على مصراعيه لكل من أراد أن يتدرب على الثرثرة والتراشق بالسخف والتبذل والسطحية والانتقام من الأفراد والمجتمع والأمة، وهؤلاء لا يعجبهم شئ ولا يرضون عن شئ ويعترضون على كل شيء مع سخافة في الثقافة، وضحالة في المعركة، واليباس في العاطفة، ولا ينظرون إلى البياض بل السواد، ولا يبصرون المناقب بل المثالب، ولا يشاهدون المحاسن بل القبح، "صم بكم عمي فهم لا يرجعون".
تعرفت على الأخ الفقيد أحمد محمد الحسن أول مرة عام 1976، وكنت وقتها في مقتبل أيام الشباب، وحينها يكون الإنسان أكثر اعتزازا بنفسه، وعظيم الإعجاب بها، ولا يرى في هذه الدنيا مثيلاً أو صنواً له، وقدمني إليه الأخ الأستاذ عبد الله عبد العزيز، وكان وقتها ضمن أعضاء القسم الرياضي لصحيفة "الصحافة" الذي كان يرأسه الأستاذ أحمد، وكان القسم حينها يضم مجموعة من الأساتذة الفضلاء هم: "حسن عز الدين - دسوقي- وقمر الدولة الفكي" رحمهم الله، و"عيسى السراج وأبو بكر محمد الأمين وصديق جبارة وفضل أبو عاصم" أطال الله في أعمارهم ومنحهم الصحة والعافية، ورحب بي الفقيد أحمد، ومنذ تلك اللحظة ظللت أتعاون مع القسم الرياضي، واتيحت لي الفرصة منذ ذلك الوقت لأرقبه وأتعرف عليه عن بينة، وتوثقت علاقتي معه حتى العام ١٩٨٤م، حيث سافرت للمملكة العربية السعودية إلى العام ١٩٩٢م، كنت خلالها أتواصل معه عن طريق الرسائل والمقالات، وبعد عودتي من هناك ازدادت العلاقة متانة، وكنا نلتقي بعضنا حضوراً في المناسبات الرياضية المختلفة وما أكثرها في ذلك الوقت، ومشاركة أهل الرياضة بكل ضروبها أفراحهم وأتراحهم حتى مغادرته لهذه الدنيا الفانية.
الأخ الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن حباه الله بذكاء فريد وحضور بديهة وحسن تصرف، وهذا ما ساعده على تميزه بلونية خاصة في مدرسته الإعلامية الصحفية، فلا أضيف جديداً إن قلت إنه ملك المايكرفون خطيباً مفوهاً جزل العبارة، متناسق المترادفات، يعرف كيف يجذب المستمع إليه، ولا يلحن أبداً كأنه من قريش أو تميم، تعينه على كل ذلك ذاكرة شفافة تستدعي المعلومة في حينها، ومما يميزه ايضاً انه يكتب مقاله اليومي مرة واحدة دون تبييض، وهذه مسألة في غاية الصعوبة، تحتاج إلى قدرات عالية ومقدرات متفوقة، وما يميزه أكثر أن عموده الصحفي الذي اشتهر به دائمًا ما يكون قليل الاسطر والكلمات، كثير الدلالات والإشارات، يراعي فيه كل عناصر العمود من فكرة فتحليل ثم استخلاص النتائج، ولهذا فلقد كان موفقاً جداً أن اختار اسماً وعنواناً لعموده يعبر عنه وهو (بإختصار) وما أصعب تكتب فكرة كاملة الأركان والجوانب باختصار.
المتتبع لسيرة ومسيرة الفقيد أحمد يرى انه قد بدأ العمل الصحفي في العام ١٩٦٣ بصحيفة الناس الاسبوعية، حيث كان يشرف على صفحة الشباب، بالإضافة لقسم التحقيقات، ثم تولى رئاسة القسم الرياضي حتى العام ١٩٦٩م، وتنقل بعد ذلك في رئاسة القسم الرياضي لصحف المريخ والصحافة والجزيرة والسودان الحديث والأنباء والصحافي الدولي والزاوية الرياضية، وعمل أيضًا رئيساً لتحرير صحيفة الخبر السياسية، واصدر صحيفة هو مالكها وهي صحيفة "الملاعب"، وتنقله هذا جعل هذه الصحف تكتسب بريقاً وشهرة جذبت لها العديد من القراء، واكتسب قلم الفقيد أحمد ألقا ولمعانا وخبرة اضفت على مسيرته هذه التفرد والتميز الذي ما كان يجاريه فيه أحد، ولذا كانت البعثات الرياضية للمنتخبات الوطنية والأندية التي تشارك في البطولات الدولية والقارية والاقليمية بكافة المناشط الرياضية، تصر عل اختياره مرافقا لها، لأنها كانت تعلم قدراته ومقدراته وقيامه بواجباته وحبه لعمله ومهنته.
الأخ الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن كان أحد أصحاب فكرة قيام الدورة المدرسية، وأكثر الداعمين والمروجين لها إعلاميا حتى اكتسبت شهرة وهالة عظيمة واصبحت ملء السمع والبصر، وصارت الولايات تتسابق لتنال شرف استضافتها، كما أنها أظهرت العديد من اللاعبين والنجوم الساطعة في مختلف المناشط الرياضية، وزودت المنتخبات والاندية بأفذاذ اللاعبين الذين أسهموا بقدر وافر في تطوير الرياضة بالسودان.
الأخ الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن لم يكن مهتما فقط بالرياضة، وإنما جعل همه الأكبر الثقافة، فكان أول مقرر للجنة الثقافية العليا لأندية الدرجة الأولى بولاية الخرطوم، ( قبل إنشاء الدرجة الممتازة) وقامت هذه اللجنة بعمل مسابقات في أنشطة ثقافية مختلفة في شهر رمضان المبارك من كل عام، وكانت هذه الأندية تتنافس بشرف لأجل إحراز كأس الثقافة، وحقيقة فقد تمثلت الأندية معنى النادي الشامل ( ثقافي- رياضي- اجتماعي) وذلك بفضل جهود الفقيد أحمد، والأساتذة محمد الشيخ مدني وهاشم هارون ومحمد يوسف الدقير والفقيد الفريق شرطة أبراهيم احمد عبدالكريم، والفقيد اللواء عبد الحي محجوب وعيسى السراج والعميد "م" عبد الرحمن حسن عبد الحفيظ والدكتور أحمد دولة والدكتور عمر قدور والدكتور عمر محمود خالد وهاشم الزبير والمهندس التيجاني أبو سن وماجد السر وغيرهم من الشخصيات التي لا يتسع المجال لذكرها.
الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن عمل رئيساً لجمعية الصحفيين الرياضيين لثلاث دورات، وقامت هذه الجمعية بعمل كبير في المجالات الاجتماعية والإنسانية، وشعرنا وقتها أن الصحفيين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما عمل مستشاراً صحفياً لمجلس تشريعي ولاية الخرطوم لعدة دورات، ولم يكن نشاط الفقيد محلياً فقط، بل امتد للمحيط الخارجي، حيث كان عضواً بالاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، وعضواً ومؤسساً بالاتحاد الأفريقي للصحافة الرياضية، ومستشاراً بالاتحاد العربي للصحافة الرياضية، وكانت له إسهامات في كل هذه. الاتحادات.
الفقيد أحمد محمد الحسن كرمته الدولة في عدة مناسبات، تقديراً لجهوده وعطائه الثر في مجال الإعلام الرياضي والصحفي، حيث تم تكريمه على مستوى رئاسة الجمهورية ضمن أفضل عشرة صحفيين رياضيين بالسودان، خلال وضع حجر الأساس للمدينة الرياضية عام ١٩٩١م، والمرة الثانية عند فوزه بجائزة التفوق الصحفي من مجلس الصحافة والمطبوعات عام ١٩٧٧م، ونال جائزة الأستاذ هاشم ضيف الله لأفضل مقال رياضي، والمرة الثالثة كرمته رئاسة الجمهورية بالوسام الذهبي للآداب والفنون، كما كرمه الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ضمن مجموعة من الصحفيين العرب، وكان تكريمه الأكبر هو حب جميع الذين عرفهم، وكل واحد منهم يعتقد أن الفقيد هو الأقرب إليه وحده.
الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن كان وسيلة التخطيط للمستقبل، فكان أحد أهم من قاموا بإعداد الموسوعة الرياضية تحت إشراف وزارة الشباب والرياضة الاتحادية، كما كان عضواً بارزاً في إعداد وتأليف وطباعة كتاب "المريخ عبر التاريخ"، وألف كتاباً بعنوان: "وداعا رئيس الرؤساء" على شرف ليلة تأبين فقيد المريخ الراحل مهدي الفكي "رحمه الله، وكان الفقيد شديد التأثر وفي غاية الحزن بعدم تأبين فقيد الرياضة الأستاذ هاشم ضيف الله، "رحمه الله"، وكان قد أخبرني أنه بصدد عمل تأبين ضخم له في ذكرى تأريخ وفاته القادمة، وبدأ فعلاً بالتحضير له بكتابة بعض المعلومات والذكريات حوله، باعتباره أستاذه الذي تعلم منه الكثير، وكان يعتقد أنه أفضل التربويين الذين مروا في تاريخ الرياضة السودانية، إلا أن وفاة الفقيد أحمد عاجلته قبل أن يتم هذا العمل الكبير.
عُرف الأستاذ أحمد محمد الحسن بأنه كان حمامة الصلح بين المتخاصمين في الوسط الرياضي عامة، وفي مجتمع المريخ خاصة، وكان لا ينام له جفن حتى يحقق غايته في إصلاح ذات البين بين المتخاصمين، فنشر بذلك ثقافة الحب والعفو والمصالحة بين الناس، مكان سياسة الكراهية والقطيعة والتدابر والتناحر.
أختم مقالي هذا بأن الراحل الأستاذ أحمد محمد الحسن كما خبرته وعرفته عن قرب كان إنساناً مثالياً، صاحب ضمير حي، أمين على القلم والكلمة، حمل في أعماقه مثلاً عليا ومبادىء سامية وخلقاً نبيلاً وروحاً فاضلة، وما كان يتكلم إلا بحكمة، ولا ينطق إلا بصواب، يتغافل عن ذلات غيره، ويغض الطرف عن هفواتهم، ويرد على القبيح بالحسنى، ويصل من قطعه ويعطي من حرمه ويعفو عمن ظلمه، ومر يوم وفاته صعبا على كل الناس، وتقاطرت الحشود من كل حدب وصوب كل منهم يعزي نفسه قبل أن يعزي الآخرين، وذرفت الجموع الدموع على هذا الفقد الجلل والمصاب الكبير، ومضى الفقيد الأستاذ أحمد محمد الحسن إلى ربه راضياً مرضياً، وخلف من الآثار ما يخلفه الربيع من شذى الزهر، بينما مضى آخرون وخلفوا من الآثار ما تستره الهرة من آثارها.
اللهم أرحم عبدك أحمد محمد الحسن رحمة واسعة، اللهم وسع له في قبره مد بصره، اللهم أجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم أخلفه في أسرته ومجتمعه ووطنه، اللهم أجعله في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم أجعل البركة في أهله وابنائه وذريته، اللهم ألهم آله جميعاً الصبر على فقده
"إنا لله وإنا إليه راجعون"
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى