مدارس الأدب العربي في العصر الحديث - (4) مدرسة المهجر
الأربعاء مارس 27, 2024 11:37 pm
[
مدارس الأدب العربي في العصر الحديث
4/ مدرسة المهجر
بقلمي: مصطفى نصر
مدرسة المهجر هي مدرسة رومانسية حديثة أسسها عدد من الشعراء العرب الذين هاجروا من سوريا ولبنان وفلسطين غالبا ودول عربية أخرى، هاجروا إلى الأمريكتين وكندا منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويشكلون الجيل الثالث من المهاجرين العرب في القارة الأمريكية جنوبها وشمالها.
تشكّلت مدرسة المهجر من مجموعة من الروابط الأدبيّة، حسب تجمعات الأدباء في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، فقد نشأت هذه المدرسة على يد شعراء عدة تجمعات هي:
* الرابطة القلمية: هي جمعية أدبية أسسها أدباء مُهاجرون سوريون ولبنانيون في مدينة نيو يورك في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920, وضمت المؤسس جبران خليل جبران وإيليا ابو ماضي، وميخائيل نعيمة وصحبهم
* رابطة منيرفا: هي حركة أدبية أسسها وترأسها أحمد زكي أبو شادي في نيويورك في 1948 وضمت ابنته صفية أبو شادي ونعمة الله الحاج ويوسف الصارمي وعبد اللطيف الخشن وزكي قنصل وعبد المسيح حداد الذي تولى منصب نائب رئيس الرابطة ولكنها لم تستمر طويلا وليس لها تأثير كبير في أدب المهجر.
* العصبة الأندلسية هي إحدى حلقات مدرسة المهجر تألفت العصبة في مدينة ساو باولو بالبرازيل في مطلع يناير 1933 من الكتاب والأدباء العرب في تلك البلاد. نفذها الشاعر اللبناني المهاجر ميشيل نعمان معلوف، ودعمها بالبذل السخي والرعاية. ترأسها ميشيل نعمان معلوف ثم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري بداية من 1958
* الرابطة الأدبية: الرابطة الأدبية هي جمعية أدبية مهجرية تأسست في الأرجنتين من قبل أدباء وشعراء من سوريا العثمانية في 1949 ومن أبرز أعضائها جورج صيدح وإلياس قنصل وزكي قنصل وعبد اللطيف اليونس وجواد نادر وسيف الدين الرحال وجبران مسوح وملاتيوس خوري ويوسف الصارمي وجورج عساف وعبد اللطيف الخشن. تأسست إثر زيارة الوفد العربي إلى الأرجنتين. ولم تستمر سوى سنتين عندما رجع صيدح إلى سوريا.
* ندوة رواق المعري: وتأسست في ساوباولو ١٩١٣م، ومن أهم روادها قيصر المعلوف وجورج عساف ويوسف ناصيف وظاهر نجم وصحبهم.
ولكن ما استمرّ من بينها وكان أوسع صدى هما الرابطة القلمية والعصبة الأندلسيّة، وكان شعراء المهجر من هاتين الرابطتين هم الأكثر شهرة في العالم.
خصائص المدرسة المهجرية:
الخصائص الموضوعيّة:
* الحنين والشوق إلى الوطن، والدفاع عن القضايا المتلعقة به، من منطلق أنّ الشعراء جزء لا يتجزأ منه، حيثُ فاضت قصائدهم بمشاعرهم الجياشة التي تتغنى بجمال الوطن وتُعبِّر عن مرارة الغربة، وقد اشترك شعراء المهجر الجنوبي والشمالي بهذه الصفة. * التحاور مع الطبيعة والامتزاج بها، وبثّ روح الحياة في مظاهرها، وإسقاط ما يجول في أنفسهم من مشاعر الحزن، والخوف، والحب عليها، فكانت الطبيعة ملاذاً يجدون فيه الراحة والسعادة، ومثال ذلك ما تغنى به جبران خليل جبران في قصيدته المواكب بحياة الغابة وما فيها من صفاء وراحة.
* تأمل النفس الإنسانيّة، فقد عمد شعراء المهجر إلى تحليل الشخصيّة الإنسانيّة من خلال تصويرها بدقة؛ للكشف عما فيها من أسرار، ولتحقيق للمُثل العليا الخالدة، وهذه ميزة اتصف بها شعراء المهجر الشمالي أكثر من الجنوبي.
* ظهور النزعة الإنسانيّة الشاملة في منتوجهم الأدبي، حيثُ اتسعت قلوبهم بالحب المطلق لكل البشريّة، وانتقدوا الظلم الذي منع أوطانهم من الاستقلال والتحرر، كما ساهموا في نشر المبادئ الإنسانيّة بين الناس؛ لبناء وخلق مجتمع إنساني مثالي يسوده العدل، والمودة، والرحمة.
* الابتعاد عن أسلوب الخطاب المباشر، والاعتماد على أسلوب الهمس في التعبير، مما جعل معانيهم وكلماتهم تدخل إلى النفس كما يتسرب الماء إلى جذوع الشجر.
الخصائص الشكلية:
* الابتعاد عن التكلّف، والتمرد على الغرابة في استعمال اللغة غير الملائمة للعصر، حيثُ تمتعت ألفاظهم وكلماتهم بالسلاسة، والرقة، والبساطة، إلى جانب تميزهم بجمال وبراعة التصوير.
* الدعوة إلى الوحدة الموضوعيّة في القصيدة، وقد استلهموا هذا من الشعر الغربي، حيثُ اشتملت دواوينهم على مضمون واحد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعنوان.
* الاهتمام بالصور الفنيّة التي تُشخّص المعنى المقصود؛ لأنّ الصورة قادرة على التعبير عن عواطف الشاعر، فجاءت معظم قصائدهم كلوحات فنيّة مليئة بالحياة والحركة.
* الاستفادة من تنوع القافية كما في الموشحات الأندلسيّة، والتمرد على الأوزان العروضيّة المعروفة، فكانت أغلب قصائدهم من المطولات.
* الاعتماد على القصة كوسيلة للتعبير، فكانت القصيدة تزخر بالشخصيات التي تتحاور وتتصارع لتعبّر عن مكنونات الوجدان.
أثر المدرسة المهجرية:
استطاع الأدب المهجري أن يكون مصباحًا للشعر العربي الحديث، وكان لمدرسة المهجر في العصر الحديث أثر واضح في تطوير مسار الشعر العربي، ومن أهم ما استطاعت فعله هو التجديد في الأغراض الشعرية وإدخال ما لم يكن معروفًا من قبل مثل مفهوم الحرية الذي نسجوا عليه القصائد الطوال، وجعل الشعر نوعًا من أنواع التعبير عن الذات والواقعية والمشاعر الدّاخلية مهما كانت، وكسر قيود الجمود والأوزان والتحرر من القافية والتمرد على نظام الشطرين.
وبعد: نقول في الختام إن مدرسة المهجر كانت ذات أثر كبير في الأدب الحديث بما أرسته من خصائص الشكل والمضمون التي تناولناها آنفا، وشكلت مع مدرستي الديوان وأبولو روافد في نهضة أدبنا الحديث.
------------------
مراجع المقال:
1/ وديع ديب - الشعر العربي في المهجر الأمريكي - طبعة دار العلم للملايين بيروت 1993م
2/ صلاح الدين الهواري- شعراء المهجر الشمالي - طبعة دار الهلال 2009
3/ أسعد زيدان - شعراء من المهجر البرازيلي - طبعة مدرسة الشوف للكتاب 2005م
4/ حسن جعفر نور الدين - موسوعة شعراء المهجر طبعة رشاد برس 2014م
5/ طنسي زكا - قراءة سياسية لشعراء المهجر - طبعة مطبعة الفارابي 2015
6/ د. صلاح الدين التوم - محاسن ومساوئ هجرة الشعراء العرب لأمريكا - طبعة مركز بحوث ودراسات حوض البحر المتوسط بدون تاريخ
مدارس الأدب العربي في العصر الحديث
4/ مدرسة المهجر
بقلمي: مصطفى نصر
مدرسة المهجر هي مدرسة رومانسية حديثة أسسها عدد من الشعراء العرب الذين هاجروا من سوريا ولبنان وفلسطين غالبا ودول عربية أخرى، هاجروا إلى الأمريكتين وكندا منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويشكلون الجيل الثالث من المهاجرين العرب في القارة الأمريكية جنوبها وشمالها.
تشكّلت مدرسة المهجر من مجموعة من الروابط الأدبيّة، حسب تجمعات الأدباء في الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، فقد نشأت هذه المدرسة على يد شعراء عدة تجمعات هي:
* الرابطة القلمية: هي جمعية أدبية أسسها أدباء مُهاجرون سوريون ولبنانيون في مدينة نيو يورك في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920, وضمت المؤسس جبران خليل جبران وإيليا ابو ماضي، وميخائيل نعيمة وصحبهم
* رابطة منيرفا: هي حركة أدبية أسسها وترأسها أحمد زكي أبو شادي في نيويورك في 1948 وضمت ابنته صفية أبو شادي ونعمة الله الحاج ويوسف الصارمي وعبد اللطيف الخشن وزكي قنصل وعبد المسيح حداد الذي تولى منصب نائب رئيس الرابطة ولكنها لم تستمر طويلا وليس لها تأثير كبير في أدب المهجر.
* العصبة الأندلسية هي إحدى حلقات مدرسة المهجر تألفت العصبة في مدينة ساو باولو بالبرازيل في مطلع يناير 1933 من الكتاب والأدباء العرب في تلك البلاد. نفذها الشاعر اللبناني المهاجر ميشيل نعمان معلوف، ودعمها بالبذل السخي والرعاية. ترأسها ميشيل نعمان معلوف ثم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري بداية من 1958
* الرابطة الأدبية: الرابطة الأدبية هي جمعية أدبية مهجرية تأسست في الأرجنتين من قبل أدباء وشعراء من سوريا العثمانية في 1949 ومن أبرز أعضائها جورج صيدح وإلياس قنصل وزكي قنصل وعبد اللطيف اليونس وجواد نادر وسيف الدين الرحال وجبران مسوح وملاتيوس خوري ويوسف الصارمي وجورج عساف وعبد اللطيف الخشن. تأسست إثر زيارة الوفد العربي إلى الأرجنتين. ولم تستمر سوى سنتين عندما رجع صيدح إلى سوريا.
* ندوة رواق المعري: وتأسست في ساوباولو ١٩١٣م، ومن أهم روادها قيصر المعلوف وجورج عساف ويوسف ناصيف وظاهر نجم وصحبهم.
ولكن ما استمرّ من بينها وكان أوسع صدى هما الرابطة القلمية والعصبة الأندلسيّة، وكان شعراء المهجر من هاتين الرابطتين هم الأكثر شهرة في العالم.
خصائص المدرسة المهجرية:
الخصائص الموضوعيّة:
* الحنين والشوق إلى الوطن، والدفاع عن القضايا المتلعقة به، من منطلق أنّ الشعراء جزء لا يتجزأ منه، حيثُ فاضت قصائدهم بمشاعرهم الجياشة التي تتغنى بجمال الوطن وتُعبِّر عن مرارة الغربة، وقد اشترك شعراء المهجر الجنوبي والشمالي بهذه الصفة. * التحاور مع الطبيعة والامتزاج بها، وبثّ روح الحياة في مظاهرها، وإسقاط ما يجول في أنفسهم من مشاعر الحزن، والخوف، والحب عليها، فكانت الطبيعة ملاذاً يجدون فيه الراحة والسعادة، ومثال ذلك ما تغنى به جبران خليل جبران في قصيدته المواكب بحياة الغابة وما فيها من صفاء وراحة.
* تأمل النفس الإنسانيّة، فقد عمد شعراء المهجر إلى تحليل الشخصيّة الإنسانيّة من خلال تصويرها بدقة؛ للكشف عما فيها من أسرار، ولتحقيق للمُثل العليا الخالدة، وهذه ميزة اتصف بها شعراء المهجر الشمالي أكثر من الجنوبي.
* ظهور النزعة الإنسانيّة الشاملة في منتوجهم الأدبي، حيثُ اتسعت قلوبهم بالحب المطلق لكل البشريّة، وانتقدوا الظلم الذي منع أوطانهم من الاستقلال والتحرر، كما ساهموا في نشر المبادئ الإنسانيّة بين الناس؛ لبناء وخلق مجتمع إنساني مثالي يسوده العدل، والمودة، والرحمة.
* الابتعاد عن أسلوب الخطاب المباشر، والاعتماد على أسلوب الهمس في التعبير، مما جعل معانيهم وكلماتهم تدخل إلى النفس كما يتسرب الماء إلى جذوع الشجر.
الخصائص الشكلية:
* الابتعاد عن التكلّف، والتمرد على الغرابة في استعمال اللغة غير الملائمة للعصر، حيثُ تمتعت ألفاظهم وكلماتهم بالسلاسة، والرقة، والبساطة، إلى جانب تميزهم بجمال وبراعة التصوير.
* الدعوة إلى الوحدة الموضوعيّة في القصيدة، وقد استلهموا هذا من الشعر الغربي، حيثُ اشتملت دواوينهم على مضمون واحد مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعنوان.
* الاهتمام بالصور الفنيّة التي تُشخّص المعنى المقصود؛ لأنّ الصورة قادرة على التعبير عن عواطف الشاعر، فجاءت معظم قصائدهم كلوحات فنيّة مليئة بالحياة والحركة.
* الاستفادة من تنوع القافية كما في الموشحات الأندلسيّة، والتمرد على الأوزان العروضيّة المعروفة، فكانت أغلب قصائدهم من المطولات.
* الاعتماد على القصة كوسيلة للتعبير، فكانت القصيدة تزخر بالشخصيات التي تتحاور وتتصارع لتعبّر عن مكنونات الوجدان.
أثر المدرسة المهجرية:
استطاع الأدب المهجري أن يكون مصباحًا للشعر العربي الحديث، وكان لمدرسة المهجر في العصر الحديث أثر واضح في تطوير مسار الشعر العربي، ومن أهم ما استطاعت فعله هو التجديد في الأغراض الشعرية وإدخال ما لم يكن معروفًا من قبل مثل مفهوم الحرية الذي نسجوا عليه القصائد الطوال، وجعل الشعر نوعًا من أنواع التعبير عن الذات والواقعية والمشاعر الدّاخلية مهما كانت، وكسر قيود الجمود والأوزان والتحرر من القافية والتمرد على نظام الشطرين.
وبعد: نقول في الختام إن مدرسة المهجر كانت ذات أثر كبير في الأدب الحديث بما أرسته من خصائص الشكل والمضمون التي تناولناها آنفا، وشكلت مع مدرستي الديوان وأبولو روافد في نهضة أدبنا الحديث.
------------------
مراجع المقال:
1/ وديع ديب - الشعر العربي في المهجر الأمريكي - طبعة دار العلم للملايين بيروت 1993م
2/ صلاح الدين الهواري- شعراء المهجر الشمالي - طبعة دار الهلال 2009
3/ أسعد زيدان - شعراء من المهجر البرازيلي - طبعة مدرسة الشوف للكتاب 2005م
4/ حسن جعفر نور الدين - موسوعة شعراء المهجر طبعة رشاد برس 2014م
5/ طنسي زكا - قراءة سياسية لشعراء المهجر - طبعة مطبعة الفارابي 2015
6/ د. صلاح الدين التوم - محاسن ومساوئ هجرة الشعراء العرب لأمريكا - طبعة مركز بحوث ودراسات حوض البحر المتوسط بدون تاريخ
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى